مثلث برمودا 1

كل شيء كان يبشر بمستقبل مشرق بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية.. وبدأ
الجميع بالاسترخاء.. والتفكير في تطوير سبل الحياة لرفاهية الإنسان.. ولكن
هذا لم يحدث.. فبعد انتهاء الحرب العالمية الثانية بأشهر قليلة.. تلقت
القيادة الأمريكية خبرا كان بمثابة قنبلة ذرية ثالثة.. بعد قنبلتي (
هيروسيما ) و ( نجازاكي ).

ففي الخامس من ديسمبر عام 1945م.. انطلق سرب من الطائرات الحربية بقيادة (
تشاريز تايلور ) في رحلة تدريبية روتينية.. وبدأت طائرات السرب تتدرب على
الانقضاض والقصف.. وراح ( تشارلز ) – كعادة قائد السرب – يرسل ملاحظاته لا
سلكيا إلى القاعدة حول عملية التدريب.. وكانت الأحوال الجوية مثالية
للطيران.. و ..اختفت جميع طائرات السرب.. هكذا بكل بساطة.. تلاشت تماما دون
أي مقدمات.. وقبل أن يحدث ذلك بفترة بسيطة.. تلقى البرج المراقبة رسالة لا
سلكية من ( تشارلز تايلور ) الذي كان متوترا للغاية.. ويقول في ذعر شديد :
هناك شيء عجيب يحدث.. لم نعد على ما يرام.. لا يمكننا أن نرى الأرض.. بل
لا يمكننا حتى أن نرى الأفق!..وعندما سأله مراقبو الطيران عما يعنيه بهذا..
أجاب باضطراب قائلا : لست أدري !! - والله من الروعه , أنا ارتعت الحين -
المحيط لا يبدو كما اعتدنا رؤيته وكل شيء تعطل.. البوصلة والدفة كل شيء.

كانت هذه آخر جملة نطق بها ( تشارلز ).. فقد انقطع الاتصال مع السرب..
وتفجرت موجة عارمة من الدهشة والرعب في كل أفرع الجيش وقياداته.. فلم يكن
أحد في القيادة العسكرية على استعداد لمواجهة أي مشكلة بعد السنوات المرة
التي عاشها العالم خلال الحرب العالمية الثانية.. وأصدر القوات الجوية
أوامره بأن يتم البحث عن السرب المفقود بأسرع وقت والبحث عن أي طائرات
معادية قد تكون المتسببة في كل هذا.. وانطلقت السفينة الحربية ( مارتن ) مع
بعض الطائرات الحربية لإنقاذ السرب المفقود.. ولكنهم اختفوا بدورهم..
تلاشوا تماما وكأن البحر قد انشق وابتلعهم.. وكان ما حدث هو إشارة البدء
لمعرفة أكثر بقاع الأرض غموضا.. مثلث ( برمودا ) .. ومثلث ( برمودا ) هذا
عبارة عن مثلث وهمي يقع في المحيط الأطلسي .. وتبلغ مساحته 770 ألف كيلو
متر مربع ويقع رأسه الشمالي في جزيرة ( برمودا )- وهي مستعمرة بريطانية-
ويقع رأسه الجنوبي الشرقي في بورتوريكو- وهي إدارة عسكرية أمريكية- أما
رأسه الجنوبي الغربي ففي ( ميامي ) بولاية فلوريدا الأمريكية.. والولقع أن
لغز مثلث برمودا بالغ القدم.. فهناك حالات اختفاء في هذا المثلث يرجع تاريخ
بعضها إلى القرون الوسطى..ولكن قلة السجلات في ذلك العصر أعطتنا انطباعا
بأن اللغز لم يبدأ إلا في عصرنا هذا.. فقد أشار ( كولومبس ) مكتشف أمريكا
إلى اختفاء واحدة من سفنه هناك.

وحادثة ( تشارلز تايلور ) لم تكن أغرب حوادث الاختفاء فهناك حوادث اختفاء
أكثر إثارة وغموضا.. أشهرها اختفاء سفينة الشحن ( مارين ) الهائلة الحجم
والتي يبلغ طولها 141 مترا.. والباخرة ( سايكلوت ) التي اختفت بكل ركابها
البالغ عددهم 309 راكب.. وحمولتها البالغة تسع عشر ألف طن.. أما أغرب حوادث
الاختفاء في مثلث برمودا على الإطلاق.. فقد كانت لإحدى الطائرات العسكرية
التي كان يتكون طاقمها من ستة أفراد وتحمل خمسا وعشرين راكبا..والتي اختفت
فجأة.. ودون أن ترسل رسالة استغاثة واحدة قبيل اختفائها.. بل أن كل شيء في
آخر رسالة واردة منها كان يشير إلى أن الأمور تسير في أفضل صورة.. وتوالت
حوادث الاختفاء في مثلث الرعب.. الواحدة تلو الأخرى.. وأصبحت السجلات
الرسمية تحمل العشرات من هذه الحوادث.. وكلها تقريبا تتم في نفس الظروف..
يكون كل شيء عادي في البداية.. وفجأة.. يحدث الاختفاء.. ومما زاد الأمر
غموضا هو أن جميع رسائل الاستغاثة تقريبا والتي أرسلت قبيل اختفاء الطائرات
والسفن ذكرت أن لون الغيوم قد تغير ليصبح أقرب إلي اللون الحليبي.. وأن
الضباب قد أصبح كثيفا جدا لدرجة تجعل الرؤية مستحيلة تقريبا.

وبدأت عملية البحث عن تفسير لما يجري في هذا الجزء الغامض من العالم..
وخرجت عشرات النظريات.. إلا أنه لم تفسر أي نظرية منها الأمر على نحو
منطقي.. ومن هذه النظريات ما ذكره بعض الباحثين من أن السبب كل حوادث هو
وجود ظاهرة طبيعية غير عادية في تلك المنطقة كخلخلة في الهواء أو دوامة ذات
طاقة امتصاص هائلة.. أو ما شابه ذلك.. إلا أن هذه التفسيرات كانت واهية
جدا.. فمهما بلغت قوة تلك الدوامات المزعومة..وتلك الخلخلة في الهواء..
فلابد وأنها تترك بعضا من بقايا السفن أو الطائرات أو حتى الضحايا.. دعك من
أن أجهزة الملاحة لم تسجل وجود أي ظواهر طبيعية خارجة عن المألوف في تلك
المنطقة.. وقد قام أحد الباحثين بدراسة كل الكتب التي تتحدث عن مثلث (
برمودا ).. إلى أن جاء بتفسير غريب.. فذلك الباحث يقول بناء على نبوءة
المتنبئ الشهير ( كايس ) في عام 1937م بأن سكان قارة ( أتلانتس ) قد
استخدموا الكريستال والياقوت لتوليد طاقة رهيبة.. وأن جزءا من هذه الطاقة
قد غرق مع قارتهم في هذه المنطقة بالذات من المحيط الأطلنطي..وسوف تفسد
جميع أجهزة الملاحة فوق تلك المنطقة التي غرقت فيها ( أتلانتس ) بسبب
الطاقة المتولدة من الكريستال والياقوت.. وقد لاقى هذا التفسير قبولا من
البعض على الرغم من غرابته.. واستنكره الغالبية العظمى من العلماء.. ولكن
في زماننا الحالي أعاد بعض العلماء النظر في هذا التفسير.. خصوصا بعد
اختراع الليزر.. فالليزر يستخرج من الكريستال والياقوت تماما كما تنبأ (
كايس ).. على الرغم من أن ذلك لم تكن حتى مجرد فكرة في الأذهان عندما ألقى (
كايس ) بتلك النبوءة الشهيرة.

ثم جاء أحد مراقبي المطار ممن عاصروا حادثة اختفاء ( تشارلز تايلور ) ليعلن
عن مفاجأة.. ففي لقاء تافزيوني في عام 1974م.. أعلن هذا المراقب أن القوات
الجوية قد أخفت عبارة نطق بها ( تشارلز تايلور ) نفسه.. فقد قال بالحرف
الواحد : ( لا تتبعونا.. يبدو أنهم من الفضاء الخارجي ).

وكان هذا التصريح يقلب جميع الموازين.. ويضع احتمالا لم يفكر به أحد..
احتمال أن تكون هذه الإختفاءات هي مجرد عمليات اختطاف قامت بها مخلوقات من
كوكب آخر.. وكما يحدث دائما حين يتعلق الأمر بمخلوقات من كوكب آخر.. لم
يعلق أحد من المسؤولين على ما قاله ذلك المراقب في الحديث التلفزيوني.. بل
التزموا الصمت تماما.. وعلى الرغم من كل ذلك.. ظلت هناك نسبة كبيرة من
المعارضين لهذه النظرية..أما أكثر النظريات قبولا عند العلماء المسلمين هي
التي ذكرها بعض العلماء المسلمين.. والتي تقول أن عرش إبليس قد يقع في تلك
المنطقة من العالم.. وهذه حقيقة مذكورة في الأحاديث نبوية الشريفة.. أخرج
أحمد ومسلم عن جابر- سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول (( إن عرش إبليس
على البحر فيبعث سراياه فيفتنون الناس فأعظمهم عنده منزلة أعظمهم فتنة ،
يجيء أحدهم فيقول فعلت كذا وكذا فيقول ما صنعت شيئا ثم يجيء أحدهم فيقول ما
تركته حتى فرقت بينه وبين امرأته فيدنيه منه ويقول نعم أنت )).. فقد ذكر
بعض العلماء المسلمين- بناء على حديث نبوي شريف- أن إبليس قد اتخذ من إحدى
البحار عرشا له.. فهل مثلث ( برمودا ) هو المكان الذي يحوي عرش إبليس؟!..
الله ( سبحانه وتعالى ) وحده اعلم بذلك.

وجميع ما ذكر لا يعني أن كل من ذهبوا إلى تلك المنطقة قد اختفوا.. فهناك
بعض الناجين.. منهم القبطان ( هنري ).. الذي كان يبحر بسفينته يوما هو و
مجموعة كبيرة من البحارة.. عندما أحاطت بهم سحابة كثيفة للغاية من الضباب
وخيل له ولبحارته أن الأفق قد اختفى.. وأن السماء قد اختلطت بالماء.. وراحت
البوصلة تدور بجنون.. وكانت جميع المولدات تعمل بكامل طاقتها ولكنها لم
تكن تعطي أي كهرباء.. كما شعروا بوجود مادة غريبة كالحليب تحيط بكل شيء..
ثم اختفى كل هذا بغتة.. وبدا الأفق أخضر اللون لبضع لحظات.. ثم عاد كل شيء
إلى طبيعته.. وحادثة القبطان ( هنري ) هي مجرد مثال.. وإن اتفقت أقواله مع
أقوال وأوصاف العديدين ممن نجوا من تلك البقعة المشؤومة من العالم.. و لا
ننسى أن نذكر أن بعض السفن والطائرات التي تمر بمثلث ( برمودا ) لا يحدث
لها أي شيء غير عادي.. ولا تصاب بأي مكروه.

والمشكلة أن حصر حوادث الاختفاء في مثلث ( برمودا ) أمر مستحيل تماما.. لأن
هذه المنطقة بالذات تعتبر واحدة من أكثر مناطق العالم التي تدخلها المراكب
والسفن للهجرة إلى الولايات المتحدة الأمريكية بطرق غير قانونية.. كما
أنها تعتبر أحد أكثر المناطق التي يتم تهريب المخدرات من وإلى الولايات
المتحدة الأمريكية.. وذلك لعدم وجود الرقابة الأمنية على تلك المنطقة.. إذ
لا تجرؤ قوات خفر السواحل الأمريكية أن تزج برجالها في تلك المنطقة.. دعك
من أن أحدا من الرجال خفر السواحل لن يوافق على العمل والإبحار في تلك
البقعة المشؤومة من العالم.

أما بالنسبة لآخر حوادث الاختفاء المسجلة في السجلات الرسمية فقد كانت في
الرابع من يناير عام 1993م.. عندما اختفت إحدى السفن الصغيرة مع ركابها على
الرغم من عدم تسجيل أجهزة الرصد لأي أحوال جوية سيئة.. وقامت فرق الإنقاذ
ولمدة خمسة أيام بالبحث عن تلك السفينة.. وبالطبع لم يعثروا على شيء
كالمعتاد.. الأمر الذي جعل بعض الصحف تصف تلك الحادثة بأنها لغز متكامل
الأطراف لا يمكن اختراقه وكشف اللثام عنه.. لتستمر أسطورة مثلث ( برمودا )
إلى يومنا هذا.. وتظل البقعة منطقة رعب يخشاها كل إنسان.. منطقة غامضة
تتلاشى فيها السفن والطائرات والبشر.. منطقة تثير الرجفة في القلوب.. منطقة
الضياع.